عن المشروع

منذ ما يقرب على سبع سنوات، بدأت قراءة “وما فائدة الثورة إن لم نرقص؟1 وفجأة وجدت نفسي أقرأ قصصًا تعبر أجزاءٌ منها عن مخاوفي المستقبلية، وأجزاء أخرى عن مشاعر أمر بها بالفعل. ما زلت أتذكر مرض ثم وفاة سونيلا، المناضلة السريلانكية، وحديثي مع إحدى الصديقات عنها، وكيف نصحتها سونيلا بعدم إيقاف حياتها الشخصية من أجل عملها في حقوق الإنسان. لا أتذكر إن جاءت هذه النصيحة قبل أو بعد مرض سونيلا، وعدم قدرتها على تحمل التكلفة الباهظة للعلاج.

وفي إحدى رحلات العمل- منذ أكثر من سنتين- قابلت فنانة أردنية حكت لي عن مستوى الإنهاك الناتج عن العمل الذي وصلت إليه. ففي أحد الأيام، لم تستطع الحركة من فراشها، وانتهى الأمر بشهور من العلاج الطبيعي، والكثير من الراحة الإجبارية.

وفي العام الماضي، أيضًا، في إحدى رحلات العمل، حكت لي صديقة نسوية كندية- تعمل في مجال حقوق الإنسان- عن اضطرارها لأخذ عدة شهور راحة بعيدًا عن العمل، بعد أن مرضت فعليًّا من كثرة العمل.

يستلهم مشروع كتاب “حتى أقوى المقاتلات” عنوانه من مقال كتبته رنا جابر في “مدى مصر” بنفس العنوان، ضمن سلسلة مقالات شخصية عن الصحة النفسية، قرأته منذ أكثر من عام عندما كنت على وشك الدخول في دورة جديدة من  دورات الإنهاك التي مررت بها وكانت المقالة ما كنت أحتاج لسماعه، أن من حقي أن أشعر بالإنهاك.

وقتها كانت مساحة الحديث عن التكلفة النفسية والجسدية للعمل في المجال العام لا تتخطى الهامش، وسط جدول مليء بالأعمال “ذات الأولوية”. إلا أنني أصر على أننا أيضًا أولوية في مساحة الصراع من أجل حياة أفضل وأجمل. فالثورات لا تحدث من أجل أن نكون تعساء، ولا من أجل أن نمرض، أو نتجاهل حيواتنا الأخرى. فالثورة- كما أؤمن بها- هي ثورة لانتصار الجمال على القبح، والأمل على الألم.

ولذا، أحاول بهذا المشروع أن أبدأ مساحة من البوح بما يقلقنا، كنساء تشابكت حياتنا مع الثورة؛ إلا أن قلقنا المشروع من الكبَر، والمرض، والأمان المادي، إلى آخر الشواغل الشخصية، لم يغادرنا. لم ننس- أثناء عملنا- أن لدينا مَن يحتاجون إلى دعمنا، ونحتاج إلى أن نكون بجوارهم كأسرتنا- الفعلية أو المختارة- وأصدقائنا وشركاء دربنا. لم ننس احتياجنا لقضاء وقت بمفردنا، أو الانشغال بهواية طالما أردنا أن نقوم بها.

أتذكر- وأنا اكتب هذه السطور- جملة كتبتها خالتي، وعلقتها على أحد جدران شقتها: “إن مشروعي ينطلق من البهجة، وليس من خيبة الأمل”.

وكذلك هي انطلاقة مشروعي هذا.

“حتى أقوى المقاتلات” هو مشروع بحثي لكتاب يتناول قضايا طالما تم تجاهلها، لتصنيفها الاعتيادي باعتبارها مسائل “شخصية”، على ثلاث محطات جغرافية؛ أولها هي مصر وتونس: كيف تقوم الناشطات النسويات بإدارة جوانب حياتهن الخاصة، والتعامل مع مصاعب وجودهن في المجال العام؟

ويهتم هذا المشروع بالصحة النفسية، والإنهاك العام، والأمان المادي، والكبَر في السن، كتقاطعات مهمَلة، بالرغم من أهميتها، في سياق توثيق نضال النساء في المجال العام. وانطلاقًا من مبدأ أن نضالنا في المجال العام لا ينفصل عن نضالنا في المجال الخاص، وأن حيواتنا وصراعاتنا الشخصية مع الظروف المحيطة بنا هي جانب يستحق التوثيق، شأن التظاهرات والأنشطة العامة، يحاول هذا المشروع أن يعطي مساحةً للقلق الخاص للتعبير عنه، وأن يتقبل فكرة الإنهاك كإحدى نتائج التفاعل مع المجال العام، في واقعه الحالي في بلادنا، دون أن ينتزع منا لقب “مناضلة” أو “ناشطة”، عند احتياجنا للراحة، “فحتى أقوى المقاتلات- يا عزيزتي- يُنهكُون”.

يمكنك الحصول على نسخة من الكتاب على هذا الرابط (مُترجم ومتاح بالإنجليزية أيضاً).


  1.  Jane Barry and Jelena Dordevic, What’s the Point of Revolution if We Can’t Dance, Urgent Action Fund for Women’s Human Rights, 2007